الخميس، 18 سبتمبر 2014

النباتات العطرية والطبية بالجهة الشرقية في دراسة ألمانية مغربية

النباتات العطرية والطبية بالجهة الشرقية في دراسة ألمانية مغربية 

يتوفر في المغرب أكثر من 4200 نوع من الأعشاب الطبية والعطرية، موزعة بين 150 فصيلة و 940 نوع، غالبيتها متوسطية، إذ أن 19 في المائة منها تظهر وتتكاثر ببنياتها الخاصة بها، ولكن لا يستغل منها حاليا سوى 280 نوعا فقط يستخدم معظمها لأغراض غذائية وكيميائية وصيدلية. ومن المعروف على المغرب أن هناك منطقتان مشهورتان بكثرة و وفرة النباتات الطبية و العطرية، ويتعلق الأمر بالمنطقة الجنوبية و بالمنطقة الشرقية
رغم المجهودات المبذولة للحفاظ على هذا التنوع البيولوجي، إلا أن هناك إكراهات تحول دون تحقيق ذلك، أهمها الاستغلال المفرط للنباتات الطبية، والتجارة غير المنظمة للنباتات الطبية والعطرية. وتعتبر النباتات الطبية والعطرية المتمثلة في الأشجار بأنواعها والأدغال والنباتات الربيعية والأعشاب موردا أساسيا بالنسبة لأنظمة الصحة التقليدية، وكذلك بالنسبة للأدوية الصيدلية.
وفي المجتمع المغربي كما في المجتمعات الأسيوية والجنوب أمريكية والأفريقية تعتمد هذه النباتات في الاستطباب الأولي قبل الذهاب إلى مباشرة الطبيب ، وغالبا ما تكون فئة هؤلاء من المعوزين الذين لاحول لهم ولا قوة لولوج الطب العصري والصناعي الباهض الثمن أو حتى أنه لا يؤتى أكله من حيث نتائج الاستشفاء على مستوى جملة كبيرة من الامراض الفتاكة والتي تحصد العديد من الأرواح . هناك فقط نسب قليلة حوالي 5 بالمائة تتمكن من شراء الأدوية أما الباقي فيلتجأ إلى بائع الأعشاب (العشابة)•
وفي محاولة، لتحسين تقنيات الإنتاج وتكلفته وجودته، عمد المغرب إلى إنشاء مؤسسة علمية عليا حديثة للبحث والإنتاج و التطوير والتكوين المتخصص والمهني والتكميلي في تخصصات وشعب متطورة في مجال النباتات العطرية والطبية، أطلق عليها إسم المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية، الذي يقع في اقليم تاونات على بعد 80 كلم من العاصمة العلميةفاس، في منطقة غنية بالنباتات الطبية والعطرية، بالقرب من سد الوحدة (أحد أكبر إفريقيا).
وتلعب الأعشاب الطبية والعطرية دورا جوهريا في نظام الصحة والاستشفاء التقليديين ، لذلك فثقافة تحصيلها وحصدها و جنيها ثم جمعها تمثل موردا مهما للعيش بالنسبة للعديد من السكان القرويين وخاصة أولائك الكادحين من الفلاحين والمزارعين وغيرهم ممن لا يملكون ولو قطعة أرض صغيرة .
فهذه الأعشاب عادة ما نجدها تساهم بشكل وافر وكبير في التنوع البيولوجي الطبيعي للبلدان .ولكن ثمة مشاكل بيئية وسوسيو- اقتصادية ومؤسسية كذلك تهدد شيئا فشيئا هذه الأعشاب الثمينة، وبالموازاة مع هذا التطور السلبي السريع نجد تقهقر المعرفة التقليدية والأصيلة حول دور هذه النباتات في الحياة الصحية الآن أو ربما كذلك قد نجدها منعدمة بصفة عامة في بعض الأوساط الاجتماعية ، وعلى الرغم من المجهودات الجبارة في معالجة هذه المشكلة من قبل مجموعات بحثية ذات صيت على المستوى الوطني كما على المستوى الدولي ، فإن الحكومات لم تعر اهتماما لهذا الأمر وذلك في غياب الدعم الكافي ولا أيضا في غياب توزيع عادل وديمقراطي للمعلومة • أو حتى كذلك التنسيق فيما بين المتدخلين والفاعلين في هذا القطاع.
وقال عبد السلام الخنشوفي، مدير المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية، أن مخططه يعتمد بالأساس على خلق مقاولات صغرى ومتوسطة تنشط في هذا المجال، مشيرا إلى أن على المغرب عدم تصدير هذه النبتات كأعشاب، بل كمواد مصنعة لديها قيمة مضافة وكبيرة. وأكد عبد السلام الخنشوفي، أن الفائدة التي يطمح إليها المغرب بالدرجة الأولى، هي المحافظة على موارده الطبيعية واستغلالها بطريقة عقلانية، مضيفا أن "هناك تنوع بيولوجي هائل، كما أن بعض الأعشاب لديهما قيمة أكثر من أخرى".وذكر مدير المعهد الوطني أن "هذا الأخير يتعامل أولا من ناحية البحث والبحث التطبيقي، كما تربطه علاقات،اقليميا، مع الجمعيات والتعاونيات الفلاحية، أما على الصعيد الوطني فيتعامل مع شركات لها ماض جيد في ما يخص النباتات الطبية والعطرية، بهدف تحسين منتوجاتها ومردوديتها، ودوليا مع مراكز البحث، منها واحدة في باريس وأخرى في مارسيليا". وأكد أن "هناك آلاف الأنواع من النباتات، التي يجري استغلالها بطريقتين، الأولى تقليدية، إذ منذ عشرات السنين يجري الاستفادة منها في مجالات الصيدلة والتغذية ببيعها للصناع في المدن الكبرى، لكن دون أن يستفيد الفلاح بالشكل المطلوب، كما أن الاستغلال كان عشوائيا، وكان يجري عبر اقتلاع النباتات والأشجار ما أدى إلى اختفاء بعض الأنواع. أما الطريقة الثانية فهي حديثة عبر إزاحة العراقيل التقنية حتى يكون لها دور في التنمية، محليا ووطنيا".
وتستعمل النباتات الطبية والعطرية بعدة أشكال كالنبتة بأكملها أو قسم منها أو زيوتها العطرية بعد تقطيرها، وتستخدم في الصيدلة وفي مستحضرات التجميل وفي العطور وصناعة الأطعمة. ومع الطلب المتزايد للموارد الطبيعية، أضحت العديد من الأصناف النباتية في حالة نقص في المناطق التي كانت غنية بها. يعتمد الناس في المناطق القروية فقط على الأعشاب الطبية للشفاء بسبب غلاء الأدوية الحديثة.
وتمنح الجهة الشرقية، عبر رصيدها الهائل من النباتات العطرية والطبية، فرصا متنوعة للاستثمار من أجل تنمية هذا القطاع، الذي أصبحت منتوجاته رائجة على الصعيد العالمي.
وحسب دراسة أنجزت مؤخرا من قبل فريق من الخبراء في إطار التعاون التقني الألماني، وبتعاون مع شركاء مغاربة، تتوفر الجهة الشرقية  على رصيد ضخم من النباتات العطرية والطبية، وخاصة إكليل الجبل "أزير"، المحفزة على إنشاء وحدات تحويلية لإنتاج مواد التجميل.
وقامت الدراسة، التي اهتمت بتنمية الإبداع في مجموعة من الأنماط الفلاحية، من بينها النباتات العطرية والطبية على مستوى الجهة الشرقية واقليم الحسيمة، بتسليط الضوء على الفرص الممنوحة على مستوى الجهة، في مجال خلق مشاريع تأهيل النباتات العطرية والطبية والشركات المختصة في توزيع وترويج وتسويق هذه النباتات ومشتقاتها.
وأوضحت الدراسة أن إطلاق دينامية للتصديق البيولوجي، لا سيما بالنسبة لنبات إكليل الجبل ومشتقاته، يمكن أن يكون ذا فائدة لتنمية قطاع النباتات العطرية والطبية بالجهةالشرقية
وأشارت الدراسة إلى تمكن الجهة من خلال ثلاث تعاونيات متمركزة بفجيج، وتاوريرت وجرادة، من تسخير إمكانياتها في المجال، بغية النهوض بالقطاع وجعله مصدرا للكسب بالنسبة للسكان، كما استدلت في هذا الإطار بخلق وحدة للتقطير من طرف تعاونيات دبدو وجرادة، وتصديق "إيكوسير" للمنتوجات، وتعبئة الزيوت الأساسية في قنينات (جرادة)، وتوظيف تقنيات جديدة لتدبير سهوب نبات إكليل الجبل، وجلب أنواع جديدة من النباتات العطرية والطبية المستقدمة من آسيا والمحيط الهندي.
وبعد إبراز أهمية الاستراتيجية الوطنية لتنمية قطاع النباتات العطرية والطبية، المنتهجة برعاية المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وبمساهمة المنظمات غير الحكومية الأجنبية، أوضح الخبراء أن بعض الصعوبات ما زالت تعترض هذا القطاع الواعد وذو البعد الإجتماعي.
وتنضاف إلى هذه الصعوبات، استنزاف الموارد الطبيعية، وغياب تقنيات قطاف معقلنة وتقنيات ملائمة لاستخلاص النباتات العطرية والطبية، ونقص تثمينها على المستوى المحلي (المنتوج يتم تسويقه على طبيعته)، وتنسيق غير كافي بين التعاونيات الثلاث الموجودة، وغياب وسائل عصرية للتحويل.
وشددت الدراسة على ضرورة تنمية وتحسين أداء الفاعلين بالقطاع، لا سيما التعاونيات وتطوير قطاع النباتات العطرية والطبية في اتجاه استفادتها من تعميم التجارة المنصفة بالجهة.
ويمثل قطاع النباتات العطرية والطبية نشاطا تجاريا هاما بالنسبة للمغرب. فالأصناف الأكثر أهمية على المستوى الاقتصادي هي "الزعتر"، و"اللويزة"، و"الشيح" و"الخزامى". وتشكل هذه الأصناف الأربعة التي يتم تصديرها وفق تسمية "نبات" أو "توابل" صوب مجموعة من الوجهات العالمية، العمود الفقري لقطاع النباتات العطرية والطبية بالمغرب.
وفي الجهةالشرقية، يعتبر "الشيح" وإكليل الجبل، الصنفين اللذان يسودان المشهد العطري والطبي. وأهم جهات الإنتاج هي تاوريرت، وفجيج وجرادة، بينما تبقى منطقة آيت بومريم اقليم فجيج) من بين المناطق الأكثر إنتاجية على الصعيد الوطني.
ولقد تم إنجاز هذه الدراسة وفق سلسلة من اللقاءات والورشات المصغرة، بتنظيم من قبل فريق من الخبراء المغاربة والأجانب مع مشاركة فاعلين من القطاع بالجهة الشرقية
وتندرج هذه المهمة في إطار مشروع "الهجرة والتنمية الاقتصادية بالجهةالشرقية"، بتمويل مشترك بين الاتحاد الأوروبي والوزارة الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، وهي تنفذ في إطار التعاون التقني الألماني، بشراكة مع وكالة الشرق. ويستهدف المشروع تحسين تنافسية الفضاء الاقتصادي بالجهةالشرقية.
 

منقول عن موقع مغرس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق